مشروع الشرق الأوسط الكبير يحمل في ظاهره التقدم والمدنية والرقي والحضارة إلى بلدان الشرق الأوسط، أو هكذا يراد تصويره، إلا أنه في باطنه ومن وراء الكواليس يعمل على غزو المنطقة سياسيًا وثقافيًا وإقتصاديًا، وتهديم وتقويض ما تبقى فيها من قيم دينية وأخلاقية، ليتم بناؤها من جديد على مقاسات لاتتناسب مع هوية المنطقة ولا مع حضارتها ولا مع قيمها، ولكنها على كل حال تتناسب مع الرؤية الهمجية الإستعمارية، التي تخطط فيما تخطط لإستعمار المنطقة بكل ما تحتمله كلمة إستعمار من إحتمالات وأبعاد، وسلب كل ما يمت إليها بصلة جذرية من تاريخ وحضارة ودين، ضمن أجندة مخططاتها الواضحة الأهداف التي لاتخفى على كل ذي لب عاقل مبصر.
فماذا في هذا المشروع الخطير، الذي قد يفوق أو يضاهي القنابل النووية والصواريخ الذرية في خطرها وشرها؟.
ويأتي الحديث عن المرأة وتمكينها وتحريرها حسب هذا المشروع في إطار لامع براق يؤكد على أهمية رفع التهميش والإضطهاد والتمييز ضد المرأة العربية والمسلمة في الشرق الأوسط، وضرورة تمكينها وتفعيل دورها وتعزيزه على جميع المجالات الإجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
ولكن: هل فعلاً يطمح الغرب عمومًا، وأمريكا خصوصًا، إلى تمكين المرأة العربية وتحريرها وتفعيل دورها، أم أن هذا يندرج تحت مقولة: كلام حق أريد به باطل؟
¤ ماذا يريد الغرب من وراء هذه المطالب، وما هي مصلحته؟
لاشك أن الواقع الملموس في العراق المحتل من قبل أمريكا خير شاهد على كذب هذه الادّعاءات وعوضًا عن أن تعمل أمريكا على تمكين المرأة العراقية وتفعيل دورها، ورفع الإضطهاد عنها، ساهمت بشكل مؤكد في زيادة الإضطهاد والعنف الواقع عليها، وفي زيادة التفقير والتجهيل والتهميش.
إذًا ما تريده أمريكا والغرب من إطلاق هذا المشروع هو شيء آخر يتخفى تحت هذه الشعارات البراقة...، يتلخص في ضرب مواطن القوة التي تحول دون إختراق المجتمعات الإسلامية، ولا شك أن الأسرة الإسلامية المتماسكة هي أهم مواطن هذه القوة، ولسنا مفتئتين أبداً حين نستخلص هذه النتيجة، فكل المؤشرات الواضحة وغير الواضحة، تدل على أن الغرب يريد أن يسوّق إلينا قسراً قوانيناً تهدم كيان الأسرة، بحجة أنه يريد أن يسوق إلينا الحضارة والديمقراطية.
نلمح هذا واضحًا في محاولته لفرض قرارات المؤتمرات العالمية بخصوص المرأة وإتفاقية رفع التمييز ضد المرأة -السيداو- بجميع آلياتهما وفعاليتهما، من رفعٍ لقوامة الزوج عن زوجته، وإباحة الشذوذ الجنسي والإعتراف بحقوق الشاذين -المثليين- والتأكيد على حرية المراهقين الجنسية، وتوفير الإجهاض الآمن لهم، وتأمين وسائل منع الحمل... إضافة إلى محاولة بسط النفوذ حتى على قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية، بحجة أن في هذا القانون موادًا تتعارض مع كرامة المرأة ورفع التمييز ضدها.
والمحزن المبكي في هذا الهزيمة النفسية التي لحقت بالشرق أمام الحضارة المادية الغربية، الأمر الذي أفقد بعض المسلمين توازنهم، وتعالت الصيحات للركض وراء الحضارة الجديدة بعجرها وبجرها، منادين بإستبدالها بتلك التعاليم، التي مضى عليها 15 قرناً من الزمان، والتي أكل عليها الدهر وشرب حسب رأيهم.
= وإلى هؤلاء نقول: ليس كل جديدٍ يؤخذ ولا كل قديمٍ ينبذ.
ونقول لهم:
دع عنك قول عصابة مفتونة يجدون قديم كلِّ أمرٍ منكرًا.
ولو إستطاعوا في المجامع أنكروا من مات من آبائهم أو عمّرا.
من كل ساعٍ في القديم وهدمه وإذا تقدم للبناية قصّرا.
ونقول لهم أيضًا: نحن مع تمكين المرأة وإصلاح حالها ونصر قضاياها، نحن مع رفع الإضطهاد والتمييز ضدها، نحن مع تغيير بعض قوانين الأحوال الشخصية المجحفة بحق المرأة، ولكننا نريد هذا الإصلاح بناء على قيمنا وثقافتنا وتعاليم ديننا وثوابتنا الإسلامية، وليس بناء على مايريده الغرب ولا بناء على ثقافة الغرب وقيمه ورؤيته.
¤ هنالك سؤالان يطرحان نفسيهما بقوة:
= السؤال الأول: هل وصلت الدول الغربية أصلاً إلى رؤية سليمة وعادلة وشاملة بخصوص حقوق المرأة، لتصدّر إلينا هذه الرؤية وتلزمنا بها؟
= السؤال الثاني: هل الصورة التي تعيشها المرأة المسلمة اليوم هي الصورة الإسلامية التي أمر بها القرآن الكريم وسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نجيب عن السؤال الأول فنقول: نساء الغرب يصرخن أنقذونا من العبودية.
هذا هو العنوان العريض لما سنطرحه، أما العناوين الفرعية فهي كالتالي:
•= الإعلام الغربي المغرض يصوّر لنا حال المرأة هناك تصويراً زائفاً خادعاً، يظهر فيه المفاتن والمحاسن، ويخفي الكثير الكثير من المخازي والمآسي التي ترزح تحت نيرها المرأة الغربية.
•= تقول إحدى الباحثات الأمريكية، وهي تصوّر ذكورية المجتمع الغربي وإضطهاده للمرأة: عندما نتحدث عن المرأة فكل الدول هي دول نامية.
•= باحثة أخرى ألّفت كتاباً أسمته: أسطورة تحرير المرأة في الغرب، إستعرضت فيه العديد من الصور القاتمة، التي تضطهد المرأة وتكبّلها بسلاسل الذل والعنف والتمييز بينها وبين الرجال، مسلطة الضوء على المفارقات المضحكة بين قرارات المؤتمرات والإتفاقيات العالمية وبين الواقع المؤلم الذي تعيشه المرأة الأمريكية.
[] مآسي المرأة الغربية:
•= ولهؤلاء الذين تهمهم الإحصائيات ولغة الأرقام نورد مايلي: المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية: أصدرت الشرطة الفيدرالية الأمريكية تقارير عن العنف ضد المرأة الأمريكية:
- 79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضرباً يؤدي إلى عاهة.
- 17% منهن تستدعي حالاتهن العناية المركزة.
- وهناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا.
كما بينت دراسة أخرى أن 41% من النساء أكّدن أنهن ضحايا العنف الجسدي من قبل أمهاتهن، و44% من جهة آبائهن.
أما نسبة إغتصاب الأنثى في أمريكا، فيغتصب يومياً في أمريكا 1900 فتاة، 20% منهن يغتصبن من قبل آبائهن.
أما عن قتل النساء في أمريكا فإنه يقتل كل يوم عشر نساء من قبل الزوج أو الصديق.
بلغت نسبة الطلاق في أمريكا 60% من عدد الزيجات.
المرأة في فرنسا:
هنالك مليونا امرأة معرضة للضرب سنويًا.
95% من ضحايا العنف في فرنسا هن من النساء، 51% منهن تعرضن للضرب من قبل أزواجهن.
أمينة سر الدولة لحقوق المرأة ميشيل أندريه تقول: حتى الحيوانات تعامل أحيانًا أفضل من النساء، فلو أن رجلاً ضرب كلبًا في الشارع سيتقدم شخص ما يشكو لجمعية الرفق بالحيوان، ولكن لو ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد.
نشرت جريدة السفير اللبنانية نتائج التحقيق الوطني في فرنسا عام 2001 م:
أن امرأة فرنسية من أصل 5 كانت عام 2000 م تتعرض لضغوط أو عنف جسدي أو كلامي في الأماكن العامة.
وأن 48 ألف امرأة تعرضت للإغتصاب عام 1999 م، وأن أماكن العمل هي المجال الأول للضغوط النفسية.
أكثر من 40% من الولادات تسجل خارج مؤسسة الزواج.
وصلت نسبة المراهقات الحوامل إلى 30 فتاة من كل 1000 أعمارهن بين 15 – 19 سنة.
تشير الإحصائيات أن معدل الزواج في تراجع مستمر ولا تسجل فروق في هذا بين فرنسا والسويد والنرويج.
أما في بريطانيا فالحال أسوأ، إذ تشير الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني أن نصف الأطفال في بريطانيا تحمل بهم أمهاتهم خارج العلاقة الزوجية، بينما كانت النسبة تصل إلى الثلث فقط قبل عشر سنوات.
77% من الأزواج يضربون زوجاتِهم دون سبب.
أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الأزواج أو الشريك.
إرتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992م.
أحياناً يصل الأمر ببعضهم إلى حدّ إطفاء السجائر على جسد زوجته أو شريكته أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال، ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال ساعات.
•= وأمام هذه الإحصائيات والأرقام الرهيبة، التي تبرز لنا الصورة الحقيقية لما هي عليه المرأة في الغرب نقف مدهوشين لنقول:
أين هي قرارات مؤتمر بكين 1995م وماقبله من مؤتمرات المرأة العالمية التي قامت بها الأمم المتحدة لرعاية شؤون المرأة وتمكينها وتحريرها؟!
لماذا لم ينته العنف الواقع على المرأة الغربية وإضطهادها رغم قرارات إتفاقية السيداو عام 1981م والإعلان العالمي لمناهضة العنف على المرأة عام 1993م؟
ماذا تفعل القوانين الصارمة والمدروسة، التي صيغت لرفع الإضطهاد عن المرأة؟
ألم تحلّ الملاجئ المحدثة لإيواء النساء المعنفات، والتي تبلغ في أمريكا وحدها 1400 ملجأ، قضية هاتيك النساء؟
ألا يفرض هذا الواقع المؤلم للمرأة الغربية على المحللين الإجتماعيين والنفسيين الوقوف مراراً وتكراراً، والتريث أمام تلك الظاهرة، لمحاولة استشفاف الأسباب القريبة والبعيدة، التي تجعل القوانين في واد والواقع في واد آخر؟
ألا يوصلنا هذا إلى أهمية التربية الإيمانية والروحية للأفراد، والتي يفترض بها أن تكون حارساً من الداخل، تحيي الضمير الإنساني، وتشجع على الإلتزام الحقيقي والتغيير الفعلي، قبل الحديث عن القوانين والقرارات على أهميتها...
[] واقع المرأة المسلمة:
أما السؤال الثاني الذي طرحناه سابقاً: هل صورة المرأة المسلمة اليوم هي الصورة الإسلامية التي أمر بها القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه السلام؟
فإن الجواب عنه يتلخص بحرفين اثنين لاثالث لهما: لا.
نعم... تعيش المرأة المسلمة في معظم الأحيان حالة من السلبية والتقاعس، كما تقبع تحت أنواع من الظلم والإضطهاد... والسبب الرئيس في هذا هو الفهم الخاطئ للدين.
وإن مسؤولية النهوض من هذه الكبوة تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء، فحين ندرك أن الدين ليس صلاة وصياماً وحجاً وزكاة فقط، بل إن مشاركة المرأة السياسية دين، ومشاركتها الإقتصادية دين، ومشاركتها الإجتماعية والثقافية دين، وأن دورها لايقتصر فقط على إنجاب الأولاد وتربيتهم على أهميته، عندها فقط نستطيع أن نرتقي بالمرأة إلى الصورة الحقيقية التي رسمها لها القرآن الكريم ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وهذا ما أدركه السفير الألماني في اليمن مراد هوفمان الذي أعلن إسلامه، وقال في كتابه الإسلام كبديل: صححوا أوضاع المرأة المسلمة عندكم فإنها تنفر الأوروبيين من الإسلام.
ومع هذا الوضع غير المرضي للمرأة المسلمة اليوم، والذي يحاول الغربيون إستغلاله لتشويه صورة الإسلام، فإني أقول:
إن وضع المرأة المسلمة اليوم، رغم ترديه وتقهقره، فإنه أفضل حالاً من وضع المرأة الغربية، وإذا كان ولابد لأحد الطرفين الشرقي أو الغربي من أن يأخذ بيد الآخر، فإننا الأجدر والأفضل رغم سوء أحوالنا..
وأخيراً أقول للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط:
كفاني الله شرك يا ابن عمي *** فأما الخير منك فقد كفاني.
الكاتب: د. لينة الحمصي.
المصدر: المنتدى الإسلامي العالمي للأسرة والمرأة.